الشبكة نيوز : الناقدة اللبنانية رحاب ضاهر: “لام شمسية”.. فتش عن المخرج!

 خلال السنوات العشر الأخيرة، أصبح من النادر جدًا أن نشاهد عملًا دراميًا يحقق إجماع المشاهدين من مصر ولبنان وسوريا والخليج، ويصبح حديث الساعة ليس لمجرد تصدره “الترند”، بل بسبب جودته الفعلية وقدرته على البقاء في الذاكرة الجماعية. أعمال كانت استثناءً وقتها وحتى الآن  مثل  “لن أعيش في جلباب أبي”، “أفراح القبة”، “حديث الصباح والمساء”، و”لعبة نيوتن”،   وشهدت المواسم الرمضانية الأخيرة غياب العمل “الجوكر” أو الحصان الأسود الذي يفرض نفسه بقوة. إلا أن رمضان 2025 جاء بمفاجأة غير متوقعة مع عرض “لام شمسية”، وإن كان يُتوقع له النجاح قبل عرضه، نظرًا لمعالجته لقضية حساسة وشائكة، فضلًا عن كونه يحمل توقيع مريم نعوم، التي اسمها مرادفًا للجودة الدرامية العالية.

“مسلسل لام شمسية” ليس مجرد مسلسل يطرح قضية التحرش بالأطفال، بل هو عمل إبداعي مكتمل العناصر، متماسك في بنائه السردي، ويعتمد على تفاصيل الشخصيات الدقيقة. ويميزه أنه يستخدم التعبير بلغة العيون وتعابير الوجه أكثر من الحوار المطوّل، مما يعمّق إحساس المشاهدين بالتوتر والقلق. ولا يقتصر الإحساس بالضغط النفسي على الشخصيات داخل العمل، بل ينتقل إلى المشاهد نفسه، ليجد نفسه متورطًا عاطفيًا في صدمة وإنهيار نيللي، الشخصية التي تجسدها أمينة خليل، والتي تعيش حالة انهيار داخلي تتماهى معها الجماهير بصدق.

ويقدم المسلسل مشاهد تميزت بالعمق البصري والرمزي، حيث لعبت الكاميرا دورًا رئيسيًا في توصيل الانفعالات دون الحاجة إلى المبالغة في الحوار.
حفلة عيد ميلاد يوسف، على سبيل المثال، بدأت بمشاهد تحمل قدرًا من البهجة، قبل أن تنقلب رأسًا على عقب، ليس فقط على الشخصيات بل على المشاهدين أنفسهم، مما عمّق الإحساس بالصدمة والارتباك. هذه المشاهد أثبتت أن المسلسل يتعامل مع المشاعر البشرية بحرفية نادرة، حيث يجعل الجمهور يمر بنفس الدوامة العاطفية التي تعيشها الشخصيات.

أما عن أداء أمينة خليل، فيمكن القول إن “لام شمسية” هو نقطة تحول حقيقية في مسيرتها الفنية. فبعد أن كانت ممثلة الدور الواحد ، قدمت في هذا العمل أداءً مختلفًا تمامًا، يعتمد على التقمص الداخلي العميق للشخصية، وتقترب بذلك من مدرسة النجمات صاحبات الاداء المركب مثل  منى زكي ونيللي كريم  التي تحول مسارها بعد مسلسل  “سجن النسا”.
الأداء القوي لم يقتصر على أمينة خليل وحدها، فقد قدمت يسرا اللوزي دورًا استثنائيًا بعيدًا عن الصورة النمطية التي حُبست فيها مؤخرًا بأدوار الكآبة المتكررة، مثل دورها في “صلة رحم” و”سراب”. ، في “لام شمسية”، لم تعتمد فقط على كآبة الملامح، بل أضافت أبعادًا جديدة للشخصية، من خلال نبرة صوتها، حركة جسدها، وحتى طريقة ابتسامتها، مما جعلها أكثر صدقًا وتأثيرًا.
محمد شاهين بشخصية وسام، واحدة من أصعب الشخصيات في العمل. أداؤه يعكس فهمًا عميقًا لهذا النوع من الشخصيات السامة، حيث قدم صورة “نظيفة” للمتحرش، تتطلب قدرة استثنائية على التلاعب بالمشاعر وإخفاء النوايا الحقيقية، وهو ما نجح فيه شاهين ببراعة.

أما الدور الأكثر تعقيدًا في المسلسل، فهو بلا شك دور يوسف، الذي أداه الطفل علي البيلي. تقديم شخصية ضحية التحرش بهذا الصدق والشفافية أمر صعب حتى على الممثلين الكبار، إلا أن علي البيلي استطاع إيصال معاناة الشخصية بمزيج من الصمت والانفعالات الداخلية، مما جعله أحد أقوى عناصر العمل.

كل هذه العناصر تقودنا إلى استنتاج واحد: “فتّش عن المخرج”. كريم الشناوي ليس مجرد صانع مشاهد، بل هو مخرج برتبة قائد، لديه رؤية واضحة في كل تفصيلة، ولا يترك شيئًا للمصادفة. قدرته على ضبط إيقاع التمثيل، التحكم في توجيه الممثلين، وبناء المشاهد كلوحات فنية متكاملة، جعلت “لام شمسية” تحفة درامية تستحق أن تكون “جوكر” رمضان 2025.

شاهد المزيد من أخبار مسلسلات رمضان عبر بوابة دراما رمضان 2025