الشبكة نيوز :
صفاء الليثى تكتب: المستعمرة وميراث الغضب
صفاء الليثى تكتب: المستعمرة وميراث الغضب
الشبكة نيوز :
صفاء الليثى تكتب: المستعمرة وميراث الغضب
تشهد السينما المصرية تحولا كبيرا من كونها صناعة كبرى راسخة ومسيطرة على السوق العربية إلى كونها معبر عن طريق جديد عبر إنتاجات مستقلة غالبا لمخرجين فى أعمالهم الأولى ومنها فيلم المستعمرة إنتاج حصالة تأليف وإخراج محمد رشاد.
كنت حضرت جلسة الحصول على الدعم للفيلم في مهرجان الجونة في دورته السابعة، كان الفيلم تم تصويره وطلب الدعم للحصول على منحة ما بعد الإنتاج شاهدت عرضا لمقاطع من الفيلم شدني الشاب حسام بملامح خشنة والمصنع بآلات ضخمة ظهر لي حقيقيا بكل تفاصيله، رجل الفيل للأم جعلتني أتساءل عن شكلها المتقن؟ وهذه السكتات في الحوار، صمت وحوائط مجردة دون زحام من تفاصيل.
أبديت للمونتيرة هبة عثمان ملاحظة تخص الإيقاع الداخلي للقطات، خلفيتي بالعمل في المونتاج تجعلني أضع نفسي مكان المونتير وأتساءل كيف سيتصرف في المواد المصورة وخاصة مع مشكلة صعبة كهذه، بثقة فنانة المونتاج قالت لا تقلقي.
وللحق فعندما شاهدت العمل مكتملا بعد عرضه في برلين في مسابقة خاصة عنوانها وجهات نظر، وبعد حصوله على جائزة من جمهور الشباب في مهرجان ميلانو للسينما الشابة كان الإيقاع يمضي دون أن ألحظ أي قدر من خلل.
يمتلك المونتير قدرة سحرية على التعامل مع المادة المصورة وتصلنا بعد لمساته محافظة على أسلوب العمل وإيقاعه العام دون أدنى شعور بالارتباك، المحافظة على درجات الصورة الرمادية التى نقلت إحساس الشخصيات والمكان مسئولية مدير التصوير محمود لطفي أحد أضلاع هذه السينما الجديدة المستقلة عما سبقها، بدأ مع الخروج للنهار بكاميرا الديجيتال ودون استعانة بمصادر إضاءة صناعية.
سينما مقتصدة وهنا تأكدت مع أسلوب المخرج في واقعية خشنة كما عبر عنها الناقد محمد طارق في مقاله عن الفيلم، وأتفق معه في هذا الوصف بدرجة كبيرة، فلا توجد أغاني مهرجانات ولا نميمة بين النساء ولا أي شكل من التنميط المعبر عن الطبقات الدنيا في السينما والدراما، كنت تابعت عناوين لمقالات من زملاء نقاد من الشباب، وبعد أن شاهدت الفيلم قرأت المقالات ولم أكتفي بالعناوين.
التجريد الذي التقطه رامي عبد الرازق تأكد لي من عدم وضع أي إشارات واضحة عن المكان، حي المستعمرة الذي اتخذ اسمه من مستعمرة الجذام وعرفت عنه من فيلم قصير لأبو بكر شوقي، وبعده من فيلمه يوم الدين، الحي القريب من ملاحات إسكندرية موطن المخرج، لم يظهر بحرها ولم يتغنى بجمالها، على متلقي المستعمرة أن يقرأ الفيلم بحيادية دون التأثر أو التعاطف مع شخصيات ما وكراهية شخصيات أخرى فلسنا في عمل ميلودرامي يهدف منه المخرج إلى التأثير السلبي على مشاهده، إن اختيار مصنع المستعمرة كمكان بماكيناته المتهالكة، والإهمال المتسبب به مهندس الصيانة اللا مبالي، وبتواطؤ المدير اختاره المخرج للتعبير عن عناصر الصراع بين صغار وكبار كلهم مخطئون بدرجة ما، معبر عن وطن يدفع صغارهم للاقتتال وينسون عدوهم الأكبر.
وكتأكيد من المخرج على الانحياز الطبقي لم يكن العامل هو المجرم بل المدير والمهندس أصحاب المسئولية عن عدم صيانة الماكينات وعن ضرورة تجديدها حتى لا يتعرض العمال للخطر، هذا عالم محمد رشاد كما يظهر في المستعمرة.
ما أسعدني أن الأفلام المصرية والعربية وأيضا العالمية يواكب عرضها مراجعات نقدية تنفي التساؤل أين النقاد، صحيح أن غالبية ما ينشر في مطبوعات إلكترونية غير ورقية وعلى القارئ المهتم أن ينبش عنها أو قد تصله بعد نقلها إلى وسائل التواصل الاجتماعية، يقال أن لكل عصر أدواته، وأدوات عصرنا في الألفية الثالثة تعتمد على تكنولوجيا الديجتال تصويرا للأفلام وفي الكتابة النقدية عنها أيضا، وبفضلها تمكنت من تتبع مقالات عن المستعمرة دون اهتمام مني بعدم حرق الأحداث، خاصة أن هذا النوع من الأفلام ليس به أحداث بالمعنى الشائع، بل إن الحدث المهم يأتي قبل بداية الفيلم الذي يبدأ بعد الحدث وكأننا في برنامج ما وراء الخبر الذي يحلل ما حدث ويطرح أسئلته، لماذا سقط الأب، هل من إهمال صيانة الماكينات أم بفعل عمدي من زميله الغيور. لسنا في فيلم تشويق للبحث عن الحقيقة، ولسنا في محاولة الكشف عن المتهم ولكن كشف هذه الأحوال والتأكيد على أنها مستمرة دون أي أمل في الحل. سيعود بطلنا الشاب إلى الجبل ( حيث المطاريد من العدالة والظلم) ومعه الأخ الأصغر امتداده الذي اختار أن يتبعه.
حاضر ومستقبل يتشابهان مع ماض قاسٍ في مجتمع المستعمرة دون أي بصيص من الأمل. اختار محمد رشاد أدهم شكري ليؤدي دور الابن الشاب حسام وجه مصري ملامحه تعبر عن الرفض والغضب المكتوم، أحد سمات السينما المستقلة البعد عن النجوم واختيار وجوه جديدة لم يتم حرقها في أعمال سابقة.
في ختام مقاله عن الفيلم كتب الناقد طارق الشناوي شعرت بعد مشاهدة الفيلم أن مستقبل السينما المصرية مشرق، مادمنا وجدنا هؤلاء المبدعين وهم يتقدمون بجرأة وشجاعة، يعثرون على معادلات إنتاجية خارج الحدود، تسمح لإبداعهم بالتنفس.
.jpg)
المستعمرة

صفاء الليثي
.jpg)
فيلم المستعمرة
الشبكة نيوز :
صفاء الليثى تكتب: المستعمرة وميراث الغضب
الشبكة نيوز :
صفاء الليثى تكتب: المستعمرة وميراث الغضب
#صفاء #الليثى #تكتب #المستعمرة #وميراث #الغضب